علمتُ نفسي أنك الأنثى الوحيدة، شطبتُ من سجل رغباتي كل النساء ظاناً أنهن نسخ مزيفة عن أنوثتكِ الأصيلة، أهرب يوماً بعد يومٍ نحو الجناح الذي هبطتُ عليه دون إرادتي، وأتعلم أن أتحمل ارتجاجات الطيران القاسية، تعلمتُ أن أحتمل الألم رغم كل شيء، ومن أجل كل شيءٍ، أتعلم أن أكون صبوراً على كل الألم، أن أكون أكثر تساهلاً مع كرامتي ومع الأمور الأخرى التي تتفتت أمام ارتجاجاتِ جناحكِ المؤلمة.
علمتُ نفسي أنكِ الجسد الوحيد الذي أشتهي، وأن كل أجساد البشر هي مجرد قطعٍ من اللحم قادرة على التكلم، علمتُ نفسي أموراً لا تنتهي، وعلمتني نفسي دروساً لا أنسى، أحارب الجهل من حولي تاركاً ذاك الذي في داخلي شعلة لا تنطفئ، أحارب الخطيئة كما لو أنني المسيح وأخطئ كما لو أنني يهوذا، أتعلم لأجلك لغاتٍ عربية جديدة، حيث الفعل (حبب) متعدٍ إلى أكثر من مفعول به واحد، إلى أكثر من ألمٍ قرمزي واحد.
علمتُ نفسي أن البشر خُلقوا ليتفرقوا عن بعضهم البعض، لصبحوا ذراتٍ غارقة في ريحٍ لا تتسم بثبات الاتجاه، تعلمتُ من تجربتي التي لا تطول كثيراً إلا لتبدأ من جديد أن الحب ليس إلا صورة مهذبة للجنس، ومثله يكتسب الألم فيه أولوية ونكهة متجددة من المتعة.
تتغير اللغة من حولي وتتغير ألوان السماء، تتغير في داخلي الكثير من الحقائق القديمة، ليصبح الليل هو الحقيقة الوحيدة القابلة للثبات في داخلي، أتحمل انهيار المنطق المزروع في داخلي منذ الأزل على يد الخالق، وأتحمل تراجع اليقين من حواسي لأجلكِ، أتحمل تمكني من كسر الوصايا العشر على رأس من أحضرها، ورمي رفاتها في وجه من كتبها، أتحمل تداعي المعارف من على برجها العاجي إلى أسفل طبقات الجهل والبلاهة.
تتلعثم أصابعي بسببكِ، تسقط معادلات الجبر شهيدة أمام حركة لون الجزء السفلي من وجهكِ، لا بقايا من الشمس تمكث بعد الانفراج الأول عن عينيكِ عقب النوم، ما دامت أجمل الحكايا هي تلك التي نعيشها في الخيال والأحلام، لماذا علينا أن نفسد ذاك الجمال بواقعٍ لا يستحق العبور؟
سأهرب من جديد بالألم نحو الأمام، حيث لا أبحث عن التراجع عنه، بل عن تلقيه دفعة واحدة في وقتٍ قصير، الألم آتٍ لا محالة، وليست الحكمة في البحث عن مخرجٍ من الألم، بل في البحث عن البلسم الذي سيكون قربنا أمام التلفاز أثناء الألم، جميعنا بلا سعادة، ليس الفرق بيننا هو حجم السعادة فهي غير موجودة، لكن هو الفرق في مقدار الأسباب التي تؤدي إلى السعادة، نحن لا نعلم من هم الناس السعداء، ولكن نعلم أولئك الذين لديهم السبب الوجيه للسعادة.
الحياة ليست عادلة، وهذا ما يعرفه الجميع، ولكن ما لا يعلمه سوى قلة هو أن ظلم الحياة ينسحب على الجميع، قادراً بطريقة عجيبة أن يظلم الجميع دون أن يتسبب بالمنفعة من هذا الظلم لقلة ما، وليس لدينا سببٌ كي نبقى على قيد الحياة سوى أملٌ بغدٍ ربما أفضل، في حالتي ليس الغد ما أحلم به، فقد خسرته في رهانٍ سخيفٍ على كل حال، إنما بعد الغد، وقتٌ بعيد المنال، موعدٌ يبدو أنه سيطول بحيث لا تكفي سنوات عمرنا لنلقاه.
العام قد انتهى، وبدأ العام الذي تلاه، وكشيخ لا يمل سيموت الآن كما الماضي، في نفس الميعاد ونفس الظروف، وأحياناً في نفس الحزن، وبعد كل خزانة خالية والتي تليها سيكون لنا مع شغف الجسد ميعادٌ لا ينتهي، لا يبدأ خوفاً من ألا ينتهي.
رغم اختلافي معك في أن الحب ليس إلا صورة مهذبة للجنس، لكن المقال يستحق النشر والقراءة عدة مرات لما فيه من عمق وإصرار على الحياة والبحث عن السعادة غصباً عن الكلمات التي تستخدمها لتدل على عكس ذلك.. مناف من معرفتي بك أنت انسان مزيج.. انسان يحمل تناقضاً متناغماً .. واقعي حالم.. عاطفي حقود.. متشائم ومتفائل.. لديك القدرة على زرع كل شجرة في مكانها! ولم أر في مقالتك الرائعة ما ينفي صورتك في ذاكرتي..
شكراً على دماغك!