من الظلام ولد الجميع، ومن كل شيءٍ كان قبل الظلام قد صنع كل شيءٍ وجد بعد الظلام، مرت بمرحلة أولى بين الظلمة واللاظلمة، خوفاً من موت رئات الأبرياء، تضامنت الكثير من الأمم، محاولة استعادة الأرض التي لم تكن لهم يوماً، تكاتفوا على قتل الربيع وعلى استعارة مكنية لكل الأشياء الخالدة.
حاولتُ كثيراً أن أقتل الأصوات التي تدور مثل قرودٍ في رأسي، وبغرابة تضامنت الكثير من السماوات بحثاً عن السنونو، تمكنت الكثير الكثير من حياتي وتهافتت الأمور المتعبة في كل حينٍ بين حين وحين، وتعلمتُ أن الكثير من الأمور ليست مهمة الحياة تعليمنا إياها، وإنما قدرة اللعب على وتر الأجزاء الخاضعة لإرادتنا من الحياة، كلماتي تزداد تعقيداً والكثيرمن الدخان حولي يسيطر على الصحن الأبيض، الذي تزيد أعقاب السجائر فيه عن حاجته وقدرته على الاستيعاب، لا تكفي ارتطامة السيجارة بالصحن كي تطفأ، عليك التأكد جيداً، وعليكَ أن تكون حذراً ليس من الحريق الذي قد يلتهم غرفتك الصغيرة بين جدرانٍ ملأ فتحاتها الغبار، بل من الرائحة الغريبة لاحتراق مصفاة السيجارة، تلك التي تجعل الرؤوس تدور، تتلاعب بهرمونات الذكورة والأنوثة المتوسطة يميناً وشمالاً، وتجعل منكَ مخلوقاً غريب الطور، ومجنون باقي الأطوار.
فطورٌ فرنسي هادئ، أصابع بلا صوتٍ تكلم آذاناً صاغية، تقترب مني تلك الشقراء البليدة، تحاول بوجهها الشاحب وحمرة شفاهها الفاقعة أن ترفع معنوياتي، ولكن بلا جسد، لا يمارس الجنس ذكرٌ بلا جسد، شرطٌ أساسي الجسد في كل حالات السمو، صوت القنابل كان يحيط بنا، ورغم ذلك فإن هدوء الفطور الفرنسي يغلب على كل شيء، وتتسارع قدرتنا على النمو، قدرتنا على التطاير يمنة ويسرة ونحو الأعلى بشكلٍ خاص، هناك المزيد والمزيد من الذكريات عن أمورٌ لم تحصل، أكتب تاريخي بطريقة تجعلني سعيداً، أحرف في الذكريات حين أتلوها، أقرر بعد عدة تجارب أي تحريف هو المناسب لتلك الذكرى وأي تحريف هو الذي يجب استبعاده من الذكرى، وأكرر التحريف وأكرره حتى يصبح حقيقة لا مهرب منها، ويوماً ما سيكون هناك من يتلو الذكرى بتسلسلها الصحيح، ولكن حتى أنا – صاحب الذكرى المنحولة – سوف أكذبه، وأصر – بقناعة تامة – على صدق التحريف الذي صار حقيقة.
صوت تلك المغنية يتسلل إلي، يتشرب المتبقي من مياه عظامي، ويغير ملامح المكان، يقطع الكهرباء، ويضع بدلاً عنها شموعاً في بعض الزوايا كما فعلتْ، تتسارع دقات قلبي محاولة اللحاق بالزمن الذي يتحرك بلا رحمة نحو المزيد من المعلوم رقماً والمجهول رُقُماً.
“أعطني سبباً لأحبكَ، أعطني سبباً لأحبطك”، تبدو الكلمات الآن أكثر منطقية، متساوية مع ذكريات السفر إلى الهند والاستماع لمزيد من الإزعاج عن حب يتمنى منه الموت في وقتٍ محدد في زمنٍ مؤجل، لا يمكن أن تنجح لعناتي من الآن وأكون مضطراً لتحمل ظروف الحقائب والعجلات السريعة، سيكون على تلك الظروف المرور، ثم تحل اللعنات، ثم تبدأ السعادة.
أفعل الكثير لأبعد وجهكِ عني، لأبعد شبحه الذي تسمر في مكانٍ واحد هو أمامي دائماً رغم حركة مواد جسدي، ولكن يستمر بالنظر إليّ بابتسامة صغيرة جداً، ويحاول أن يدفعني لمزيد من الأسئلة الدنيئة، مبعداً الشبهات عني كي أكون مسافراً عبر السيالة، ورغم اشتياقي لمعرفة المزيد، أعرف أن المزيد شيءٌ لا أتمناه في كل وقتٍ أو كل شجرة تين، سأهرب من المزيد إلى أن تصبح المسافة هي مئة مترٍ بيني و بين المزيد.
أغلقوا الستارة؛ انتهى العرض الذي بدأ منذ عدة أديان، على السفر أن ينتهي وعلى الموت أن يستمر في اتجهاته القديمة البعيدة عن سوار يدي، وسيكون على الشاشة أن ترتطم بالليل المقسم تحتها، والرعب سيرحل منتظراً المزيد من الدماء قرب الوحدة الكلوية.