أحلامي بخصوصكِ

أحلم كل يومٍ بليلٍ ينتهي، أحلم بأحاديثَ تنتهي، بحديثٍ بيننا لا يمتلك تلك القدرة العجيبة على التجدد بعد كل صمتٍ، بكلماتٍ تقولينها وكفى، كلماتٍ لا أرغب بتسجيلها، وسماعها مراراً وتكراراً.

أحلم بيومٍ لا أفكر فيه بكِ، لا أحاول جاهداً مقاومة رغبة الاتصال بكِ، لا أتذكر فيه تلك القبلة آلاف المرات كل ثانية، لا أتذكركِ فيه كل مرة أرى امرأة، لا أتذكر عينيكِ كل مرةٍ أرى عيني إنسان، لا أهرب من رائحة شعرك القصير العالقة في أنفي كل مرة أستحم، كل مرة ألمس شعري، فكرتُ في أن أقص شعري، أن أعدمه كي أحسّن الأمور قليلاً، ولكن لن تصبح سوى أسوأ، إذا قصصته سيصبح ذليل الطول؛ بالضبط كشعركِ.

أحلم بيومٍ لا أحلم فيه أن أنساكِ، أحلم بيوم لا أنام فيه، بيومٍ لا تحتلين فيه أحلام نومي وأحلام يقظتي، بيومٍ لا أستيقظ هلِعاً خائفاً من مكروهٍ يصيبكِ، بيومٍ لا أستيقظ – رغم هلعي – بأملٍ وُلِدَ لتوه ككل يوم بأن أراكِ، أملٌ بأن أحتضن كتفكِ العاري ليلاً في كل شوارع دمشق كما فعلتُ كل مرةٍ رأيتكِ فيها؛ قديمة، حديثة، معبدة بالإسفلت، بالحجارة، بالدماء… كلها شاهدت كف يدي اليمنى يعانق كتفك الأيمن، وأصابع يدكِ اليسرى تتغلغل في خاصرتي اليسرى.

أحلم بيومٍ لا أتمنى فيه أن تقودنا الصدفة إلى منزلٍ واحد، ونكون وحدنا – بحكم الصدفة أيضاً – في هذا المنزل الواحد، أن تكرري تلك القبلة الغبية، ونظل نكررها مئات المرات، لتتحول إلى عناق، إلى أكثر من عناق، إلى اتحادٍ بين جسدينا يصبحان فيه جسداً واحداً مستمراً لا انقطاع فيه، جسدان متصلان من الأعلى والوسط والأسفل.. وكل المواقع والأبعاد التي عرفها ولم يعرفها الإنسان بعد.

أحلم بيومٍ نصل فيه – يدي بيدك – إلى مدينتنا الفاضلة، حيث لا يأبهون أن ذلك الصليب الذي على عنقكِ ليس معلقاً على إخراج قيدكِ وسجلك المدني، في ذلك اليوم سيكون سجلنا المدني كمدينتنا.. فاضلاً، لا يأبه بوالديكِ ووالديّ، لا يأبه سوى برائحتكِ التي تعلق بالشعر الأبله تحت أنفي حتى الحمام التالي.

أحلم بيومين متتاليين  أراكِ فيهما، أحلم بأسبوعين متتاليين أراكِ فيهما، أحلم بليلتين متتاليتين أراكِ فيها، بصباحين، بظهرين، بكل أوقات النهار على اثنين، أحلم بحلمين متتاليين لا أراكِ فيهما.

أحلم بساعة واحدةٍ لا أكلم نفسي فيها عنكِ، لا أكلم أصدقائي وعائلتي وشاشة حاسوبي عنكِ، أحلم بساعة واحدة لا أفكر فيها بعينيكِ، وأتذكر أنهما تأتيان مرة واحدة في الحياة، مرة واحدة في التاريخ، ما من إله مهما تجبر قادرٌ على خلق عينين كعينيكِ مرتين.

أحلم بنفَسٍ واحد، بنصف نفسٍ، بشهيق لا أشعر بالقرف منه لأنه لا يحوي رائحتكِ، لا يحوي رائحة عطركِ المكرر، رائحة سائل استحمامكِ، رائحة الشامبو التي أشتمها من فروة رأسكِ وتلك الشعرات التي أقصر من شعرات يدي، أحلم بنفسٍ واحد لا أقرف منه لأنه لا يحوي الدخان الذي تنفثينه من ثغركِ بنشوة لا متناهية، لا يحوي رائحة سيجارتكِ الطويلة التي تبدو وكأنها لن تنتهيَ يوماً، أحلمُ بيومٍ تنتهي فيه سيجارتكِ.

القائمة البريدية

اشترك في القائمة البريدية لتصلك أحدث المقالات فور نشرها