أنا لا أعرفكِ

chicken

أنا لا أعرفكِ، أنا لا أستطيع حتى تمييز عطركِ في تجمعات النساءِ العامة، أنا بالكاد مؤمنٌ أنكِ موجودة، أنتَ ربما فكرة، شبح مخيلة عتيقة، وربما أنتِ تشغلين بعض الفراغ، ربما تأكلين عشاءكِ الآن، ربما تسبحين في نهرٍ مختفٍ بين حقل رز وحقل قطنٍ، لا أدري، ربما أنتِ الآن على وشكِ الاهتداء إلى اسمي، على وشك ترك الحاسب المحمول الذي استعرتِه من زميلتكِ في السكن، قررتِ أن تلقي نظرة أخيرة على الصفحة الرئيسية قبل إعلان الملل رسمياً، لتكتشفي مقالاً جديداً نشر للتو، راودكِ إغراءٌ يشبه إغراء الخبز الطازج، والآن… راودتكِ بعض الريبة، أنني ربما أحدثكِ أنتِ بالذات، ربما!

هل تعرفين أنني لا أثقُ بالبشر؟ لا سببَ لذلك، ولكني أعزو الفضل عادة لتلك المَلَكَة العجيبة لدى الكون، قدرته على موازنة الأمور مهما بدت مستحيلة، الاعتماد على البشر لا يخلو من القلق، الاعتماد على البشر لتحسين العالم ليس أكثر من مجرد رمية حظ.

ماذا لو كانت علة وجودنا هي عيبنا الوحيد؟ ماذا لو كنا مجرد أبناء خطيئة للكون وعارنا سيتبعنا إلى لحظة الفناء؟ ربما، وذلك ليس جدلاً، الآن تفكرين بأنكِ واحدة من النساء اللواتي راودهن شعورٌ بأنني أخاطبهن بالذات، كل واحدةٍ على حدى، ربما تفكرين بالأمر الآن، لا يشغل بالكِ كإنسانةٍ متعجرفة إن كنتِ مدعوة أصلاً للمغامرة، إنما يشغل بالكِ إن كنتِ تملكين الشهية الكافية لمغامرة، تمررين الصفحة بسرعة، تتأكدين كم بقيَ، ثلاثة مقاطع؟ لا بأس، ليس لديكِ أشياء أهم تقومين بها.

لا أثق بالحيوانات أيضاً، قرابتها العتيقة بالبشر لا تبعث على الطمأنينة، أخاف من استيقاظ إنسانية الحيوانات، أخاف أكثر من النساء العاريات، الجسد البشري أكثر من مللاً من إطالة النظر إليه، أكثر تعرقاً من الرغبة بالتعرف إليه عن قرب، فلنبقِ الضوء مطفأ، الظلام أبلغ من عفوية وجوهنا الغوغائية.

نحن (أنا وأنتِ وسكان هذا المكان) نخاف شهواتنا، تثير الرعب في نفوسنا، نقسمها، نتناولها على دفعاتٍ، نخاف إشاعة الشره إن أكلنا دجاجة مسلوقة بأيدينا، لذلك نقطعها، نأكلها على شكلِ فطائر وشطائر ومعلبات، هكذا أفضل، ليس علينا أن نتحمل نظرات الدجاجة الغاضبة، كفي عن تخيل هذا الشكل للديك رغم أنني أتكلم عن دجاجة، وأنصتي إلى الهدوء خارج النافذة، إن كان الوقت بين القذيفة والأخرى يساوي طول أغنية قديمة فنحن نسمع نفس القصف، كم هو أمرٌ رومانسي أن أكتب وتقرئي تحت القصف ذاته؟ حصول أمر كهذا سيبيع الكثير من الكتب في بيروت.

الكثير من الأمور في رأسي، مشاهدة فيلمٍ قصير تطير فيه الكتب لم يكن أمراً سهلاً على معدتي، جيدٌ أنني لم أنسَ معقم الأمعاء في المنزل، هنا لا أقول أنني في المنزل، أقول الغرفة، الحجرة، ليس مهماً، المهم الإعلان بأن بلدي اعتصرتني لأصبح سجين غرفةٍ بعد أن كنتُ سجينَ منزلٍ كامل، الكثير من الأسماء لا تكفي، علينا ابتكار المزيد، ربما يوماً ما سيكون لدينا اسم (ابتكار) لممثلة صلعاء أصيبت بالزكام قبل ممارسة الجنس للمرة الأخيرة مع حبيبها الأقل أجراً، ربما… الآن تيقنتِ من موقعكِ من هذه السطور، ربما لديكِ بعض القدرة على ربط الأمور بدلاً من بعثرتها كل ساعة.

القائمة البريدية

اشترك في القائمة البريدية لتصلك أحدث المقالات فور نشرها