لسان الحال #5

5

“ظننتُ أني رأيتك هناك، ربما لا.”

لا تزال رائحة نهدها عالقة في ذهني.. عديم الرائحة، عديم الطعم، نهدها كان عديم الهوية، ما علق في فمي ليس طعماً، مجرد ألم أسنان عندما تحركتْ أسرع مما يجب، لا شيءَ يذكر، أصب جام غضبي منكِ عليها، أطلب منها إطفاء الأنوار، ذلك أسهل للمخيلة، ذلك يعطيني الحرية لاختيار إحدى النساء الأخريات، لا أصدق أن بضع كلماتٍ منكِ قادرة على تعكير مزاجي بهذا الشكل العنيف، ربما ما زلتِ قادرة على استدراج الذكر داخلي، ربما – ولا أحسم – تغيرت أشكال الندوب على جسدكِ، ربما تمكنتِ من إخفاء الماضي عميقاً حيث لا تضطرين لرؤيته، ربما الماضي غير قابلٍ للإنعاش.

لماذ حصتي دائماً هي البكاء؟ لماذا لا يسمح لي بدخول باقي الغرف؟ أنت تعتقدين ربما أن الحزن هو الحالة الطارئة، الضرورية، آن لهذا الطفل أن يبتسم، أن ينظر بوقاحة نحو الحياة.

“حين كان لدينا أحلام، كانت تبدو جيدة”

اقتربي أكثر، تلك الشمعة انطفأت منذ زمن، تحولت إلى منحوتة تمجد الظلام بصمت، تردد في ذهنها مئات الأغنيات، اقتربي أكثر، لِمَ كل هذا الفراغ؟ لمن تتركين كل هذا الفراغ؟ نحن عرب سيدتي، ألا يكفي ما خلفناه إلى اليوم من فراغ؟ فراغٌ في مهابلنا، فراغٌ في رفوف كتبنا، في صحوننا وجيوبنا وآذاننا، أنا وأنتِ مللنا الفراغ، صبي عليه الوقود، وأشعليه.

أنا أكره الألوان، أكره الضجيج حين يعبر عينيّ، يتسبب لي بحالة من الهذيان، حيث أشتهي لو أستفرغ دماغي على الرصيف وأمضي بسلام، أكره اللون الأصفر، لقد خزّنوا فيه الكثير من الحقد، نحن بحاجة ألوانٍ ذاتِ حقدٍ أقل.

“ربما كان خطئاً، ربما لم يكن على هذا أن يحصل.”

لقد مضى على الجريمة ثلاث سنواتٍ الآن، ما زالت صرخة الضحية تلاحق ساعات نومي، أحياناً أسمعها تطلب الرحمة، لم أكترث، لا مكان للرحمة في هذا المنفى، سمعتها تردد الأغنيات القديمة، بصوتٍ مختنقٍ بالدموع، سمعتها تذكرني بأيام السعادة، تخبرني أن كل شيءٍ سيكون على ما يرام، ذلك لم يحصل أبداً.

لقد مضى على استيقاظي الأخير ثلاث سنوات، لم أرَ النور بعد، لم أعد قادراً على السمع بعد، كل شيءٍ مشوش، الكلمات تحمل معانٍ سوى تلك التي كانت تحملها، لا شيءً مؤكد، ما حولي ليس من الواقع، أنا أعيش داخل الكتمان، مسجون داخله، أكلم احتمالات الجدران.

“نحن ضائعان هنا، لا طريق للعودة.”

القائمة البريدية

اشترك في القائمة البريدية لتصلك أحدث المقالات فور نشرها

1 فكرة عن “لسان الحال #5”

التعليقات مغلقة.