إنها تحبني..

كانت تمكث أمامي، نصف نائمة، لا يستر جسدها سوى غطاء حريري يشف بعض تفاصيل جسدها، لم أكن مهتماً بتلك التفاصيل، كنت قد استمتعتُ بها أصلاً، والآن أعيش مرحلة ما بعد الجسد، كانت تنام على جنبها، تنظر نحو اللامكان بعينين مغمضتين، ترتسم ابتسامة لطيفة على وجهها كل عدة ثوانٍ، تبدو كأنها طفلٌ صغير يرى أحلاماً مليئة بالألوان ويبتسم كل مرة يمر أمام عينه بعضٌ من لونه المفضل، كان شعرها مرتخياً على جنبِ رأسها، لم يكن يتحرك، فقد كان جسدها يثبتُ هذا الشعر الذي معظمه اصطناعي تحت كتفها، كنتُ أحاول أن أفهم من هي هذه الفتاة الماكثة أمامي، أن أفهم موقعها في حياتي، المكان الحقيقي الذي تحتله في قلبي، أنا أحبها، واثقٌ من هذا الأمر كثقتي بأن الخشب يطفو على الماء، ولكن أموراً أكثر غرابة كانت تحصل، أموراً أكثر غرابة كانت بحاجة للكثير من الشرح والتوضيح.

كنت جالساً قبالتها على كرسيٍ بلاستيكي يبقيني متوتراً خوفاً من أن ينكسر بسبب وزني الكبير، حصل الأمر معي عدة مرات قبلاً، كنتُ أرفع قدمي على نفس السرير المستلقية عليه، لم أتمكن يوماً أن أشعر بالملل من تأمل وجهها، قليلة هي المرات التي كانت عيناها مغمضة فيها، قليلة حتى هي المرات التي سنحت لي الفرصة لرؤية عينيها بوضوح، كم أكره عادة ارتداء النظارة الشمسية عندها، كنتُ أضطر لتأمل باقي تفاصيل وجهها ريثما تكشف عن عينيها، حتى أن عينيها باتتا أكثر إثارة بالنسبة لي من ذلك الجزء الصغير الذي تظهره دائماً من نهديها، في مرحلة ما كنتُ مستعداً للحصول على انتصاب فقط بسبب نظرها إلى عيني مباشرة.

لمحتُ علبة السجائر مرمية على طاولة صغيرة بقربي، عليها بقايا من النبيذ والسجائر التي تراكمت من الساعات الثلاث الماضية، سحبتها، وسحبتُ منها سيجارة ونظري ما زال مثبتاً على عينيها، حركة جسدها حين تتنفس كانت رائعة، بطيئة وضعيفة جداً، بالكاد تستطيع العين المجردة أن تلاحظها، كان ارتجافٌ صغيرٌ جداً يمر من أنفها كل مرة تتنفس، أصغر من ألاحظه في حالاتٍ أخرى، أشعلتُ السيجارة، وأخذتُ أراقب ارتعاشات أنفها رداً على الرائحة الغريبة، أنزلتُ قدمي، حركتُ جسدي إلى الأمام، اتكأتُ على ركبتيّ، واقتربتُ لأراقبها عن كثب، وسألتُ نفسي دون انتظارٍ لجوابٍ حقيقي: هل كنتُ سأحبها دون هذا الوجه؟

نعم، أنا على درجة من التفاهة كي أحبها بسبب وجهها الجميل، بسبب وجهٍ يقطع أنفاسي كل مرة يقع ضمن مجال نظري، ليس الأمر مجازياً، مازلتُ حتى اليوم حين أراها بعد غياب – وبغياب قد أعني دقيقتين – أفقد القدرة على التنفس بانتظام لعدة ثوانٍ، مشاركتها السرير لم تغير من الأمر شيئاً، ربما الأمر الممتع كان رؤية انطباعاتٍ جديدةٍ على وجهها، كان سماع إيقاعاتٍ جديدةٍ لتنفسها، الاستماع لطبقاتٍ جديدةٍ من الصوت لم أسمعها منها قبلاً، فكرة وجود وجهها على هذا القرب مني والهدوء الغريب الذي كان مخيماً دفعني إلى الابتسام، تسرب شعورٌ بالسعادة إلى قلبي، ارتفع صدري وأنا أفكر في ذلك وأغمضتُ عينيَ، نفثتُ الدخان من فمي وأنا مبتسمٌ ومغمض العينين.

فتحتُ عيني وجدتها تبتسم من جديد، مررتُ خنصري على شفتيها المبتسمتين على مهلٍ، لو استمريتُ بتمريره بهذه السرعة لاستغرقتُ ثلاث أو أربع دقائق كي أنتهي، ولكنها قاطعت رحلة إصبعي، قبلتها بنعومة فائقة، فتحت عيناً واحدة ونظرت إلي بها، قالت لي “توقف”، داعبتُ وجنتها وأبعدتُ يدي.

“أنت تعلم أنك حين تتأملني بهذه الطريقة تجعلني أرغب بالكثير من الأمور، توقف أرجوك”

أبعدتُ نظري عنها، نهضتُ عن الكرسي وذهبتُ نحو الطاولة كي أنفض رماد السيجارة، عدتُ إلى الكرسي، نهضتْ عن السرير وهي تمسك بالغطاء الحريري على صدرها، قبلتني على شفاهي بهدوءٍ ولوقتٍ طويل، همست في أذني كلمتها السحرية التي تجعل كل الدماء في جسدي تغلي، “كم الساعة؟”، وما أدراني أنا؟ هل تعتقدين أن الزمن ما زال موجوداً؟ لقد فقدتُ الحس بكل شيءٍ، قبلة وكلمة سحرية كانتا كافيتين كي أفقد علم الفيزياء بكامله، نظرتُ إلى هاتفي الجوال؛ “السابعة إلا ربع”.

“عليّ أن أذهب..”، ونهضت بسرعة عن السرير، كان جسدها الآن أمامي وهي تدير ظهرها لي، رؤيتها من الخلف عارية أمرٌ رائع، خصوصاً حين أكتشف أنها أنحف مما تبدو عليه حين ترتدي ثيابها، أوقفتُ حركتها، أمسكتُ بها من بطنها وجذبتها نحوي، ثبتُّ شفاهي على ظهرها، على تلك الفسحة الخالية التي تقابل صرتها، قبلتها طويلاً، كانت تعبث بشعري بيدها وأنا أقبل ظهرها، باليد الأخرى كانت ما تزال تثبتُ الغطاء على صدرها، لم أفهم عمن كانت تخفي جسدها.

قامت بلملمة قطع ثيابها المتناثرة حول الغرفة وهي ما تزال تغطي بعض جسدها بالغطاء، ولسببٍ ما لا تحاول تغطية الجزء الخلفي من جسدها، ربما لأنها تعرف أنه ليس الجزء الذي يغريني، لم يكن هناك ما يغريني حقاً فيها سوى عينيها وشفتيها، وقفتْ أمام السرير، وأنا كنتُ متكئاً على باب الغرفة أتأملها، رمت الغطاء وعادت عارية بالكامل، نظرت نحوي وطلبت مني أن أغض بصري، “ولكنك تقفين عارية أمامي، ممَ تخجلين؟”.

أمالت رأسها موحية بالترجي، أدرت وجهي وتركتها تبدأ بارتداء ملابسها، هذه الفتاة الثانية التي أكتشف فيها هذا النوع الغريب من الخجل، لا يحرجها أن تخلع ملابسها أو أن أخلع ملابسها عنها، ولكن ارتداء الملابس يبقى أمراً محرجاً بالنسبة لها أمامي، لم أستطع أن أصبر، عدتُ للنظر إليها وسرتُ نحوها بسرعة، كانت قد ارتدت السروال الداخلي والتنورة، اقتربتُ منها، رمت الحمالة التي كانت تحملها بيدها ونظرت إلي منتظرة وصولي إليها، جذبتها من ظهرها وقبلتها على شفتيها طويلاً بعنفٍ لم أعهده في نفسي، حتى أني تذوقتُ بعض الدم الذي نزف من شفتها السفلى، حصل هذا الأمر عدة مراتٍ في الساعات الثلاث السابقة، ولكن بسبب الاهتزاز وليس عنف قبلتي، طوقتْ عنقي بيديها وبدأت تغرز أظافرها في عنقي، ثم فجأة وضعت يدها على وجهي وأبعدتني؛ “أرجوك لا بد أن أذهب، لا تجعلنا نبدأ من جديد”.

“هل أرتدي ثيابي كي أوصلكِ؟”

“لا، أرجوك. لا أريد أن يراني أحدٌ معك قريباً من منزلكَ، سأراكِ غداً لا تخف!”

ارتدت كل ثيابها، وقفتْ أمام مرآة خزانتي، تأكدتْ أن ما من آثارٍ لما كنا نقوم به، ثم همت بالخروج، اقتربت مني ولفت يدي حول خاصرتها، نظرت إلي وهي تعض على شفتها السفلى، قبلتني بعنفٍ وبحركة مستمرة من رأسها جعلتني أجد صعوبة في متابعتها، ثم أرخت جبينها على جبيني، قالت لي أحبكَ عشرات المرات، لم أستطع أن أعدها بسبب حالة الارتجاف التي أصابتني، ثم طبعت قبلة سريعة على عنقي وخرجت.

بعد أن أغلقت الباب كنتُ لا أزال جامداً في مكاني، اخترقت ابتسامة عريضة كل وجهي، حتى شعرات حاجبيَّ كانت تبتسم، سرتُ مترنحاً نحو السرير وارتميتُ عليه بحركة استعراضية، أغمضتُ عينيّ وبقيتُ مبتسماً وأنا أستمتع بالحقيقة التي أكتشفها كل يوم وأفرح بها كأني أعرفها للمرة الأولى؛ إنها تحبني.

القائمة البريدية

اشترك في القائمة البريدية لتصلك أحدث المقالات فور نشرها